عوز العلاقات في زمن وسائل التواصل الاجتماعي
يفرق بعض خبراء التربية وعلم النفس العلاقات بين كونها سطحية أو عميقة ، ومن المخيف أن العلاقة السطحية هي تلك العلاقة التي تحتاج فيها إلى سؤال الطرف الآخر عن تفاصيل حياتية سواء كانت تفاصيل مهمة ، طارئة أو اعتيادية. ذلك الطرف سواء كان والداً أو والدةً ، أخاً أو أختاً ، زوجاً أو زوجةً ، ابناً أو ابنةً. كسؤال الأبناء عن طعامهم ودراستهم عند لقائهم فقط ، وسؤال الأبناء والدهم أو والدتهم عن تناولهم لطعامهم أو أدويتهم عند لقائهم فقط. دون حرص على متابعة حثيثة لذلك.
في المقابل ، فإن العلاقة العميقة ، هي التي يستطيع فيها الشخص الإجابة عنها دوماً في حال تواجدهم معه ، ويسعى للبحث عن إجابته حال البعد عنهم ، والشعور بحاجة اللقاء معهم كل حين ، هنا تكمن العلاقة العميقة. العلاقة التي يشعر فيها كلا الطرفان بالانتماء والتواصل الدائم.
الصادم من خلال ما تقدم أن أغلب علاقاتنا الأسرية تتصف بكونها علاقات سطحية حتى لو زعمنا عمقها!
نحتاج في هذا الزمان إلى تعميق علاقاتنا مع أبنائنا وآبائنا وأزواجنا ، فلنتفكر أخي القارئ الكريم ، متى كانت آخر مرة صرح لك أحد أبنائك عما يدور في خاطره أو خاطرها دون رعب من نتيجة ذلك ؟ ومتى آخر مرة عرفت حاجة أحد منهم دون أن يصرحوا به ؟ ومتى آخر مرة أجبت على تساؤل ابنك أو ابنتك باهتمام بالغ ، فيلاحظ السائل مثلاً أنك تركت ما يشغلك عنه ، واعتدلت في جلستك ، ونظرت مباشرة إليه ، وتلقيت سؤاله باهتمام ، وكأنه سؤال مسؤول أو محبوب ، فتفاعلت مع تساؤلاته وناقشت معه أفكاره وبحثت معه عن الإجابة؟
الغالب منا قد يتحامل على نفسه ويتفاعل مع سؤال أحد أبنائه للوهلة الأولى ، ثم لا يلبث أن ينقل التفاعل إلى نقاش حاد ، فيسارع الأبناء إلى إغلاق الحديث أو ادعاء أنهم عرفوا الإجابة وقد تسوء الأمور إلى ما هو أسوأ من ذلك. والسبب في ذلك غالباً أننا نشأنا على تقديس الوالدين بدلاً من احترامهما الوالدين ، وأن تلك القدسية جزء لا يتجزأ من برّهما. فالأب لا يمزح ولا يداعب أبناءه ، ويوجب على أبنائه الحديث معه باحترام مبالغ ، وكذلك الأم من طرفها لا تتفاعل مع أبنائها سوى فيما يتعلق بحاجاتهم المادية من مطعم وملبس ، والأبناء يهابون آباءهم ، ومن خلال تجاربهم يتجنبون الحديث معهم حول أسرارهم ومشاكلهم ، والكارثة أن يعم ذلك الأسلوب الجميع. فينتج عندنا أسرٌ مفككة ، لا يربطها سوى الحاجة والضرورة. أسرٌ تعوزها العلاقة الطيبة المباركة ، التي يُسرّ فيها الأبناء مع والديهم ويَسرِّون لهم ، ويتمتع فيها الآباء بعلاقتهم مع أبنائهم. فإن وجد الابن أو البنت من يزودهم بعاطفة موهومة عبر وسائل التواصل مثلاً أو في المدرسة أو في الحي ، فغالباً ما يتجهون نحوه ، ليس كرهاً بأسرهم ، ولا جهلاً بمصادر الخطر ، وإنما لتغذية أرواحهم الباحثة عن العاطفة والمحبة وبحثاً عن علاقة عميقة يتصرفون معها بعفوية وتتفاعل مع تساؤلاتهم وحاجاتهم حتى لو كان ذلك موهوماً فالسعي وراء السراب من صفات الظمآن. والمؤسف أكثر أن يتباعد الأبناء بعد زواجهم عن والديهم وعن بعضهم البعض ، فيتحولون إلى مجموعات منفصلة ، تجمعهم المناسبات الاجتماعية المفروضة فرضاً اجتماعياً ، أو يوجبها الحد الأدنى شرعاً وعرفاً وتقليداً. فتغلب بينهم المجاملات وعلاقات النفاق الاجتماعي والابتسامات الكاذبة و. ففرصة بناء الجسور قد انقضت ، والحاجة لها قد أشبعت من آخرين أو أنها أغلقت تماماً ، وقد تنتقل هذه المعاناة إلى الأجيال القادمة والله المستعان.
المزيد من المقالات ذات الصلة؟
فيما يلي بعض المقالات ذات الصلة التي قد ترغب في قراءتها: