العادات ... فرص ومحاذير

تنبه الكثير من الكتاب لأهمية العادات ، وخاصة متناهية الصغر منها ، أو ما تسمى العادات الذرية ، نظراً لأهميتها في تشكيل شخصية الإنسان ، وبناء هويته ومستقبله. واعتبروها بمثابة تصويت دقيق ومستمر على الشخصية التي يسعى المرء لتحقيقها. فمفهوم العادات الذرية استخدمه كتاب كثر ، من أشهرهم جيمس كلير ، مؤلف كتاب “العادات الذرية ، كيف نبني عادات جيدة ونتخلص من العادات السيئة”. وهو صاحب تجربة مثيرة في النجاة من حادث كاد يودي بطموحه في الحياة ، وخاصة طموحه الرياضي ، لكنه تحول إلى نجاح مبهر وملهم من خلال التركيز على اكتساب عادات يومية حسنة ، نهملها عادة في خضم مشاغل الحياة ومنغصاتها وإنجازاتها سواء كبرت أو صغرت. فمن يظن مثلاً أن الاهتمام اليومي بترتيب السرير وغرفة النوم ستؤثر إيجاباً على الصحة الجسدية أو اللياقة البدنية؟ ومن يظن مثلاً أن الاهتمام بنوع اللباس سيحسن الأداء الوظيفي أو حتى الإنجاز الرياضي؟.

ومن الكتاب الذين أبرزوا الاهتمام تشارلز دويج ، صاحب كتاب قوة العادات لماذا نعمل ما نعمل فى الحياة الشخصية والعملية؟. وهو كتاب ملهم ومثرٍ في ذلك المجال ويحوي الكثير من التجارب العلمية المنطوية على أهمية العادات ، وكيفية تحفيز اكتسابها وديمومتها أو تعزيز النجاح في التخلص من السيئ منها. ووضح دويج أهمية حلقة (موقف > روتين > مكافأة) في استمرار عادة ما وأهمية كسر تلك الحلقة للتخلص من عاداتنا السيئة أو إنشائها لاكتساب عادات حسنة. كتاب آخر عنوانه كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية لمؤلفه ستيفن كوفي ، ويسرد فيه مجموعة من الممارسات ، أو العادات ، التي تمارسها عادة العائلات الناجحة والأشخاص الناجحون. رغم أنه يسرد تلك الممارسات بطريقة بعيدة عن ارتباطها بالعادات الذرية أو متناهية الصغر لكن رأيت أنه من المهم ذكر ذلك الجانب.

ومن الكتب الأكثر ارتباطاً بموضوع العادات الروتينية اليومية مهما صغرت كتاب “رتب فراشك: أمور صغيرة يمكن أن تغير حياتك وربما العالم” لمؤلفه الأميرال ويليام مكرافن. يساعد الكتاب قارئه على مواجهة الفشل والخسارة بشجاعة مطلوبة لتعزيز القوة من أجل النهوض والمضي قدمًا. وأهمية اعتبار النجاحات والإنجازات الكبرى ليس بفعل عمل بطولي منعزل أو لحظة انتصار منفصلة عن واقع الحياة الروتيني ، وإنما هي نتاج سلسلة من الإصرار اليومي على وجه التحديات الروتينية ومقاومة الميل للكسل والاستسلام للإخفاقات في تلك الأعمال الروتينية اليومية واعتبار النجاح في الالتزام بها جزء من نجاحات كبرى وسبيل للوصول إليها حتى لو تأخر إنجاز تلك الأخيرة ، فإن الشعور بالإنجاز في غيرها يحفز للوصول إليها. الكتاب لا يدفع القارئ إلى حدود إمكاناته وحسب ، بل تجاوزها من خلال الاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية المعتادة ، أو المهملة عادة ، بحيث يصبح إنجازها رصيداً ومنطلقاً إلى نجاحات أخرى. يحوي الكتاب نصائح عملية تنعكس من واقع مؤلفه مرفقة بقصص ملهمة من حياته وتجاربه الشخصية كعضو في القوات الخاصة البحرية الأميركية.

ولعل أول من نوه إلى أهمية العادات على الفرد والمجتمع عالم النفس الأمريكي ويليم جيمس ، حيث يعتبر أن الكائنات الحية ما هي إلا “حزم من العادات” وأن 99% من النشاط البشري يحدث بسبب العادات ، بل ذكر أن كل حياتنا ليست سوى كومة من العادات العملية والعاطفية والفكرية المنظمة بشكل منهجي وتحملنا بشكل لا يقاوم نحو مصيرنا أياً كان هذا الأخير. وفي حين أن الكتاب نبهوا إلى أهمية العادات في تطوير حياة الإنسان ، خاصة في تعزيز كفاءة قدراته العقلية والاجتماعية ، لكنهم في الوقت ذاته حذروا من خطورتها ، وكما اعتبر الفيلسوف السويسري كارل هيلتي أن مشكلة الحياة الرئيسية تكمن في العادات السيئة ، وأكد على أهمية العادات الجيدة التي يجب أن يتحلى بها البشر لمحاربة معارك الحياة.

في سلسة المقالات هذه ، سأسرد ما جاد به الوقت عن أهمية العادات ، وضرورة الالتزام بتحسينها كأسلوب حياة جديد ، ضارباً أمثلة تسهل على القراء الكرام البدء بتطبيق هذه المهارات لتحويل العادات من نقاط ضعف إلى نقاط قوة. كما سأطرح مجموعة مما وصل إليه الباحثون والكتاب من استراتيجيات فعالة لاكتساب العادات الحميدة والتخلص من العادات السيئة ، كاستراتيجية تكديس العادات (Habits stacking) و استراتيجية العزم على التنفيذ (Implementation intention) على سبيل المثال لا الحصر.




المزيد من المقالات ذات الصلة؟

فيما يلي بعض المقالات ذات الصلة التي قد ترغب في قراءتها:

  • المجتمعات العربية في دراسات الباحثين الغربيين .. جهل أم تجاهل
  • عوز العلاقات في زمن وسائل التواصل الاجتماعي
  • الخسارة ... خير الدروس لمستقبل أفضل
  • إضافة Virtual Environment
  • لا يمكنك التحكم بالرياح ، لكن بإمكانك ضبط أشرعتك