الخسارة ... خير الدروس لمستقبل أفضل

في لحظات الشعور بظلمات الخسارة ، والشعور بقسوة الحياة ، ومآلات سوء القرارات ، وخطر تضييع الأعمار مع عدم تحقيق الأهداف ، قد يطغى على الإنسان الشعور بالأسى ، وقد يؤدي ذلك إلى الشعور بالألم وإلى اتخاذ قرارات خاطئة مما يزيد الأمر سوءاً ، ويدخل الإنسان حينها في حالات أكثر ظلمة ، الأمر الذي ينقله من حالٍ إلى ما هو أسوأ. لذلك ينبغي بداية عدم الندم والاستعانة بالله والعمل على ما سيأتي في قادم الأيام مع النظر لها بتفاؤل.

وحتى لا تظن عزيزي القارئ أن كاتب هذه الكلمات إنما يتحدث من منطلق التنظير وعدم الشعور بشيء من صدمات واقع الحال ، فمن منا لا يمر عليه زمان يعاني من الضياع سواء كان ذلك اجتماعياً أو اقتصادياً أو وظيفياً أو مادياً أو معنوياً أو خليطاً من هذا وذاك. فقد يصل الإنسان إلى مرحلة يرى أن ترك الأمور دون محاولة تحسينها ودون العمل عليها فإنها ستكون أفضل حالاً بكثير منها بعد بذل الجهد والساعات والليالي والأيام في محاولات إنجازها أو العمل على تحسينها. وقد يصطدم بأنواع من المعاناة من انعدام التوفيق والمحصلة الصفرية في إنجاز الأعمال. وكلما حاول التفاؤل بوجود نور في آخر النفق ، لا يلبث أن يدخل في حلقة متجددة من الضياع وانعدام التوفيق ، والله المستعان. وكثير من الناس يعاني من مراحل صعبة يتمنى أن ما يعيشه إنما هو كابوس يتمنى أن يستيقظ منه ليجد حاله على ما كان عليه قبل عقود بخيره وشره!

وبضرب الأمثال زيادة في التذكير وتأكيد على المعاني وتصورها ، فإن هذا المقال إنما كتب بعد مكالمة قاسية ، تلت إرسالي اعتذاراً عن تفويت تاريخ تسليم العمل الذي حددته بنفسي للمرة العاشرة لمجموعة من العلماء الأجلّاء من جامعات مختلفة. أعمل مع هؤلاء الباحثين على إنجاز بحث علمي بدأناه منذ أكثر من عام ونيّف ، ولا يؤخر إنجاز الدراسة سوى ظروفي وتأجيلي نتيجة أمور طارئة خارجة عن إرادتي. وقد عملت جاداً مرات عدة على إنجاز هذا البحث معهم ، لكنني كما ذكرت ، تأخرت كثيراً في إنجاز الدور المنوط بي بسبب ظروف قاهرة ، وهذا حكماً ليس بعذر ، مع بذلي لأقصى ما أستطيعه للالتزام بدوري لإخراج الدراسة بالصورة المتميزة المتوقعة ، لكن للظروف أحكام قاهرة. كما أنني أتممت صياغة هذه المقالة بعد أن أنهيت حل مجموعة كبيرة من متطلبات مشروع أعمل عليه ، عملت على حلّها غير مرة لكنها ما تلبث أن تتجدد كل فترة وبظروف عجيبة وأخطاء صغيرة لا تكاد تذكر ، لكنها تلغي المجهود السابق أو على الأقل تتنافى مع مخرجاته. فقد اعتدت مثلاً على توقف النظام عن العمل في تلك اللحظات الحاسمة التي يُطلب مني تقديم عرض لشرح مزايا المشروع وخصائصه الجديدة. وقد وصلت إلى تلك المرحلة التي أسجل فيه ما أريد عرضه لعرضه مسجلاً أمام الآخرين بدلاً من استعراضه حياً.

لذلك ، رأيت أن صياغة هذا المقال وأنا في هذه الحال قد يكون أصدق مقالاً وأكثر فائدة من برامج الدعم الذاتي والوظيفي التي قد يتهمها البعض أنها بعيدة عن دقائق الأسى وحقائق الفشل. فأحببت أن أكتب هذه الكلمات ، مذكّراً نفسي أولاً والإخوة والأخوات القراء أن هذا هو الأصل في هذه الحياة. فهذه الدنيا دار ابتلاء ، وكل ما علينا أن نعلمه يقيناً أن الرزق بيد الله عزوجل الرزاق ذي القوة المتين. والرزق هنا لا يتوقف على الجانب المادي فقط ، وإنما يتضمن الجانب الروحي والمعنوي والعلمي وغيره. وأن نجعل ما يحفزنا على الاستمرار العمل في لحظات التعثر هذه وتلك ، ولحظات مقارعة نوبات الفشل ، أن نتذكر أن الله سبحانه وتعالى خير معين ، فعلينا حمد الله عزوجل وشكره. كما أن علينا تجنب التحسر على ما مضى والتخطيط لمستقبل الأيام والمشاريع التي سنعمل عليها ، والتوكل على الله في ذلك كله قال تعالى: “ لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم”. كما أننا بحاجة إلى الحرص على ما ينفعنا ، وألا نعجز عن طريق الحق بحسب ما يسر الله لنا وكلٌّ ميسر لما خلق له كما قال صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم.

لكن في الوقت ذاته علينا التفكر في أخطائنا ، فمن المعلوم أن التعلم من المحاولة والخطأ من طرق التعليم الناجعة. حيث صاغ بعض علماء التعليم طرائق تعليم تعتمد على نظرية ثورندايك في التعلم من المحاولة والخطأ. وقد قيل: نقبل النجاح ونقبل الخطأ بل ونقبل الفشل الغير متعمد ، لكننا نرفض تعمد الخطأ والفشل والإصرار عليه. وقد يستفيد المخطئ من خطئه خلال تجربته أكثر من المصيب من دون تفكّر ، خاصة إن كان الخطأ غير مقصود ولا متعمّد وما دام المخطئ متفكراً في سبيل التحليل والإصلاح.

ختاماً عزيزي قارئ هذه الكلمات ، علينا أن نعلم أن ما فات انقضى ولا يمكن تغييره ، وما هو آت في علم الله عزوجل ، لكن يمكننا التخطيط للمستقبل بحسب ما يمكننا التخيّر منه ، والتوفيق كله بيد الله سبحانه وتعالى ، فهو الموفق والمستعان.




المزيد من المقالات ذات الصلة؟

فيما يلي بعض المقالات ذات الصلة التي قد ترغب في قراءتها:

  • عوز العلاقات في زمن وسائل التواصل الاجتماعي
  • إضافة Virtual Environment
  • لا يمكنك التحكم بالرياح ، لكن بإمكانك ضبط أشرعتك
  • النزاهة العلمية
  • هل فعلاً الحياة اختيار والسعادة قرار 2؟