هل فعلاً الحياة اختيار والسعادة قرار؟
من منا لا يتمنى أن ينتمي إلى أسرة ذات نفوذ اجتماعي أو اقتصادي أو صناعي أو حتى ما يتمناه البعض النفوذ في الصعيد السياسي؟ ومن منا لا يتمنى أن يكون مواطناً في بلد يتمتع وطنه بموارد ومصادر تطور تتيح مستويات رفيعة من الرفاهية لمواطنيها ومقيميها؟.
بداية ، ينبغي أن نعلم أن أغلب الأقدار التي نعيشها حالياً إنما هي نتاج اختيارات سابقة. ويتوجب علينا جميعاً الاهتمام باختيار أفضل الوسائل والطرق المتاحة حالياً ليس فقط لتحقيق مكاسب آنية ، بل كوسيلة لتحسين حياتنا المستقبلية وتقليل الخسائر وتحقيق أعلى المكاسب في المستقبل البعيد وخاصة من يعاني من تصاريف القدر.
إن من قدر المرء أن يكون من عائلة ذات مستوى ماديٍّ معينٍ ، أو من أسرة تتمتع بمزايا أو تعاني من مشكلات سواء كانت صحية أو مادية أو اجتماعية. وقد يكون الأمر أكثر اتساعاً بأن يكون مواطناً أو مقيماً في بلد يعاني من كوارث طبيعية أو من أزمات وحروب سواء كانت مزمنة أو طارئة أو ينتمي إلى مجتمع يعاني من ثقافات وعادات محبطة له ولطموحه.
هذه كلها أقدار ، ومن قدر كل منا الانتماء للأسرة والوطن والمدينة والمدرسة. والخيارات المتاحة ضمن هذا النطاق حددته قرارات وأقدار سابقة لها واحتمالية تغييرها تكاد تكون معدومة ، وغالباً ما تكون نتيجة قرارات أشخاص آخرين أو نتاج ديناميكيات أزمنة سابقة كنتيجة حروب أو آثار احتلال أو ثقافات سابقة. لكن لكل فرد القدرة على استثمار أقصى الإمكانات المتاحة في كل من تلك الأقدار لتحويل محطات حياتنا إلى نجاحات وتغيير أقدارنا إلى منابع تميز وإبداع. هذا التحول قد لا يشمل الأفراد فقط ، بل قد يتسع خيره ليعم الأسرة والمجتمع.
وبضرب الأمثلة تتوضح الأمور ، فلنفرض أن طالباً اختار الدراسة في مدرسة أو كلية ، هذا الاختيار سيحدد ماهية المواد أو التخصصات التي يمكنه دراستها لاحقاً وغالباً مساره الوظيفي و المهني مستقبلاً ، وبالتالي أصبحت قدره. لكن من المعلوم أنه يبقى لدى هذا الطالب القدرة على اختيار التخصص الأقرب لنفسه والمغذي لروحه ، فيستطيع تحسين انتقاء المواد والمساقات الدراسية التي تناسب إمكاناته وترضي شغفه وتساعده في تحقيق طموحه. وبهذا يحول حياته من معاناة الألم لمحدودية التخصصات المتاحة واستخدام شماعة القدر لتبرير ذلك الألم وتعزيزه ، وينتقل إلى حياة السعادة والرضى والنجاح.
وكمثال آخر ، فإن اختيارنا لدخول مطعم يقدم الوجبات البحرية مثلاً يحدد لنا ماهية الوجبات التي يمكننا تناولها وطبيعة تلك الوجبات. ومع أن في هذا المثال يتمتع الشخص بالقدرة على الانسحاب مقابل ثمن معقول ، كالاعتذار وتأخر وجبة الغداء لحين الوصول إلى مطعم آخر ، إلا أن هذا الاختيار ليس متاحاً في كثير من الأمور أو قد تكون تكلفته مرتفعة نسبياً. فتغيير تخصص الدراسة في مراحل متأخرة ، أو تغيير التخصص الوظيفي ، أو تغيير شريك الحياة ، أمور متاحة دوماً وممكنة في أغلب الحالات ، لكن تكلفتها عالية وقد لا يطيقها كُثُر. فكم من طبيب أو محامٍ أو موظف اختار تغيير مسار حياته سعياً لراحته وراحة أسرته ، وتحقيقاً لطموحه وإرضاءً لشغفه ، فصار ذاك تاجراً وآخر كاتباً وآخر مستثمراً أو حتى عاملاً. انظر حولك ، وابحث عن اختيارات الراضين والناجحين ، ستجد أنهم غالباً خرجوا عن المألوف ليتمتعوا بالرضى والسكينة. فكاتب هذه السطور اعتاد الشراء من أحد محلات المواد الغذائية التي يديرها طبيب أسنان ترك عيادته ليتفرغ لمشروعه التجاري مع إخوته ، فنجحوا وأبدعوا وأصبح يقصدهم الزبائن من مدينته ومن البلدات والقرى المحيطة وينادونه بالدكتور ليسألوه عن مكان مادة ما أو بضاعة يحتاجونها ويجيبهم وكله نشاط وسعادة!
في الحقيقة ، إن الاستمرار في عيش حياة الألم خيار، ومغادرة ذلك الألم خيار ، وكلاهما متاح. وبناء على كل اختيار نوسع اختياراتنا المتاحة وأقدارنا المستقبلية. لذلك ينبغي علينا الاهتمام بانتقاء الأفضل من الاختيارات الحالية والسعي لتحقيق أفضل المكاسب على المدى البعيد وإن كان ذلك يستلزم الخروج من منطقة الراحة حالياً كوسيلة لتحسين ظروفنا وأقدارنا في المستقبل. ولتقليل تكاليف ذلك التحول صحياً ومادياً واجتماعياً ، ينبغي البدء في أقرب وقت ممكن.
المزيد من المقالات ذات الصلة؟
فيما يلي بعض المقالات ذات الصلة التي قد ترغب في قراءتها: