هل فعلاً الحياة اختيار والسعادة قرار 2؟

في المساحة السابقة ذكرنا أن الآلام التي نعيشها في غالبها أقدار نتجت من قرارات سابقة ، وأن الاستمرار في التعايش مع المعاناة والألم خيار ، لكن مغادرته أيضاً خيار متاح. وبناء على كل اختيار نتخذه في مرحلة من المراحل قد نوسع أو نضيق الاختيارات المتاحة ونبني أقدارنا المستقبلية بناء على ذلك.

من أجل ذلك فضّلت أن نستعرض نظرية الاختيار ضمن العلاج بالواقع الذي قدمه عالم النفس وليام جلاسر. هذه النظرية تركز على السلوكيات والاختيارات الحالية أكثر من التركيز على السلوكيات والاختيارات الماضية للخروج من دوامة الألم ، ولتحقيق الراحة في المستقبل. وذلك بناء على فكرة أن اختياراتنا السابقة التي أدّت لما نعيشه اليوم من متعٍ أو معاناةٍ كانت في ماضٍ انقضى لا يمكن تغييره. وما نحتاج إلى تغييره لتحقيق النجاح والإنجاز في المستقبل إنما هو السلوك الحاضر. والمطلوب منا العمل على اختياراتنا الحالية وعدم لتركيز على الماضي إلا بالقدر الذي يخدم حاضرنا ويحسن اختياراتنا ، ويطور معارفنا ، ويصقل مهاراتنا. فحسب نظرية الاختيار يجب علينا التركيز على اختياراتنا الحالية ، وليست الماضية. وأن منطلق سلوكياتنا الداخلية ، كالشعور والتفكير ، أو الخارجية ، كالأقوال والأفعال ، هو اختيار نتخذه حالياً لتحقيق أهدافنا الآنية أو المستقبلية. وأن منطلقَ هذه الأهدافِ تحقيقُ الحاجات الأساسية الخمس كما حددها جلاسر وهي 1) الحاجة إلى البقاء ، 2) الحاجة إلى الانتماء ، 3) الحاجة إلى القوة ، 4) الحاجة إلى الحرية و 5) الحاجة إلى المتعة.

فمن يعاني من ظروف سيئة ، أو علاقات اجتماعية مسيئة يمتلك خيار المغادرة دوماً ، إما لتحسين الظروف أو لتخفيف الآثار السيئة الناتجة عن تلك الظروف أو العلاقات. لكن الواجب أن نتحمل المسؤولية عن ذلك سواء من جهة آثار ذلك القرار علينا وعلى الآخرين. ففراق الشريك المؤذي قد يبدو أكثر ألماً من التعايش مع الألم معه ، لكننا نضيق خياراتنا المستقبلية بناء على مخاوفنا تلك وعدم الجرأة على كسر ذلك الحاجز للتخلص من الألم الناجم عن ذلك. وإن كانت طبيعة العمل أو بيئته أو فريق العمل مؤذية ، فيمكن للشخص الانسحاب بحثاً عن بيئة عمل أفضل أوفريق عمل أكثر تجاوباً وتفاعلاً مع ما يحويه ذلك من مخاطر.

وقد ذكرت المسؤولية لأهميتها ، فمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار الكثير من العوامل والأشخاص المتأثرين معنا في ذلك القرار. كالظروف المادية للأسرة والعائلة في المثال السابق والأبناء في المثال الذي يسبقه.

ختاماً ، عزيزي القارئ ، فإن أفضل طريقة لبناء علاقات أقوى والاستمتاع بحياة أكثر سعادة واستقراراً معتمد على قراراتنا التي نتخذها وسلوكياتنا التي نتبعها ، ولأفضل النتائج نحتاج أن نفهم أنفسنا أولاً ونفهم الآخرين بأفضل ما يمكن وماهية الخيارات المتاحة ونتائجها على أنفسنا وعلى الآخرين ، لاتخاذ القرار واختيار الخيار الذي يسهم في استقرارنا وتحسين علاقاتنا الاجتماعية وظروفنا المستقبلية ، حتى لو نتج عن ذلك خروجنا من منطقة الراحة مؤقتاً ، أو نتج عنه عيش ألم ومعاناة مؤقتة. فقرار طلب العلم ، مثلاً ، قد ينتج عنه ألم مؤقت نتيجة للتفرغ للدراسة ، والتحضير للدراسة والتقييمات ونتائجها ، لكن كما قيل في الأثر ، من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم. والله الموفق والمستعان.




المزيد من المقالات ذات الصلة؟

فيما يلي بعض المقالات ذات الصلة التي قد ترغب في قراءتها:

  • المجتمعات العربية في دراسات الباحثين الغربيين .. جهل أم تجاهل
  • عوز العلاقات في زمن وسائل التواصل الاجتماعي
  • الخسارة ... خير الدروس لمستقبل أفضل
  • إضافة Virtual Environment
  • لا يمكنك التحكم بالرياح ، لكن بإمكانك ضبط أشرعتك