انتقاء الأصحاب وأثره على نجاحك
واعلم عزيزي القارئ أن الصاحب ساحب، فاختر صديقاً ييسر لك الدرب، ويدلك على الخير، ويبادلك المعروف عند الشدائد. وهذا من أهم ما دعا إليه الإسلام وعززته الآيات والأحاديث. قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 67]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: “ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه”1
وفي هذا الحديث يحث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين جميعاً على انتقاء الصاحب الذي ينفع في الدنيا والآخرة. فالصالح نافع، والسيئ مُضر في الدنيا والآخرة.
فرفيق الدرب إما أن يكون مشجعاً، أو مثبطاً. قد يكون معيناً لك على بلوغ المعالي وصعود القمم وتجاوز العقبات، وقد يكون سبباً في تعقيد الطريق وتضخيم الأعباء وتثبيط العزائم وتجميل الخسارة. ويحضرني هنا اهتمام الصديق رضي الله عنه وتمسكه برفقة النبي صلى الله عليه وسلم في أحواله كلها، بل والأسمى من ذلك سعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعاهد رفيقه واختياره له في رحلة الهجرة والمكوث في الغار. فما أسمى تلك العلاقة السامية التي نال بها الصديق رضي الله عنه شرف الصحبة في مكة والمدينة ورحلة الهجرة.
فهل يستوي صديق يوضح لك ما أشكل عليك، ويأخذ بيدك إلى النجاح محبة بك، مع من يستغل الفرص لتثبيط عزيمتك وإبعادك عن درب النجاح؟
واحذر، فمن يسعى إلى التدمير أو الإفشال لا يصرح لك بذلك صراحة، بل قد يُظهر النصح والاهتمام. فعندما وسوس الشيطان لآبينا آدم وأمنا حواء ليخرجهما من الجنة، أقسم لهما أنه ناصح: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 21]
لذلك عليك أن تأخذ حذرك، وأن تحرص على انتقاء صحبة تعزز فيك الرغبة للنجاح، وتريح نفسك، وتزيد من محبتك لذاتك، ليكون سعيك للنجاح رحلة جميلة مع رفاق صادقين.
واحذر من أن ترخ سمعك للمثبطين، أو تتح لهم الفرصة لرؤية ضعفك وكدرك. ولا تستجد منهم تعاطفاً أو عوناً. فإنك إن فعلت، كنت تكافئهم وتدخل السرور على قلوبهم، والخاسر الوحيد حينها أنت.
ولا تظن أن الانتقاص لا يأتي إلا ممن هو أدنى منك، أو أن التثبيط سببه تفوقك ونجاحك. فقد يكون الدافع غير مفهوم ولا مبرر له. بل قد يكون المثبط قدوة في المجتمع ومثالاً للنجاح، لكنه لا يتورع عن إحباط عزائم السالكين إلى درب النجاح. وكأنهم يريدون حصر النجاح في أنفسهم ومن يحبون، ولا يرضون بمشاركة قصص النجاح مع الآخرين إلا إن كان لهم فيها النصيب الأوفر.
رغم أنهم يعلمون أن مشاركة النجاح وتيسيره على الآخرين، وفق ما يسمى بـ نظرية الوفرة والندرة2، يمثل وسيلة لتعزيز النجاح الذاتي، وجلب البركة في العلم والمال والجهد. بل إن النجاح الذي يتعدى حدود الأنانية الشخصية قد يمتد أثره وبركته حتى بعد الوفاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”3… ورب مبلغ أوعى من سامع4.
الهوامش
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” رواه البخاري ومسلم. ↩
-
نظرية الوفرة والندرة: الوفرة تعني الاعتقاد بوجود فرص وخيرات تكفي الجميع، بينما الندرة تعني أن النجاح والموارد محدودة لا ينالها إلا قلة. ↩
-
رواه مسلم. ↩
-
أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ↩
المزيد من المقالات ذات الصلة؟
فيما يلي بعض المقالات ذات الصلة التي قد ترغب في قراءتها: